(1)
تشغلنى
دائماً فكرة تفوق الغرب علينا وتقدمه فى العديد من المجالات، ولا تزال ترن فى أذنى
العبارة العبقرية للإمام محمد عبده حين ذهب إلى أوروبا فقال وجدت إسلاما ولم أجد مسلمين،
بينما فى بلادنا وجدت مسلمين ولم أجد إسلاما.
سر
عبقرية هذه الجملة أنها لخصت حال أمتنا العربية والإسلامية حتى يومنا هذا، فالغرب الذى
تقدم علينا بمراحل إنما فعل ذلك بجوهر الإسلام الحقيقى، الذى يدعو للإخلاص فى العمل
والتنمية والتعايش واكتساب المهارات، بينما نسينا نحن ذلك واكتفينا بأن نحمل لقب مسلمين
ونعلم أركان الإسلام رغم أن الدين ليس العبادات فقط وإنما ــ إلى جانبها ــ الدين المعاملة.
المهم
أننى اكتشفت أن أهم ما يميز الغرب علينا ويجعله ينجز ولا يتكاسل أبدا إدراكه لمفهوم
الوقت، وبلغة كرة القدم التى أعرف أن معظمكم يعشقها أشعر أن الغرب يلعب فى الوقت الأصلى،
بينما نحن نلعب فى الوقت الضائع.
الغريب
أن الوقت وقيمته مفهوم مرتبط بالإسلام بشكل قوى، وخذ مثلاً عندك أركان الإسلام، فالصلاة
لها وقت «إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا»، وسئل النبى عليه الصلاة والسلام
عن أحب الأعمال وأفضلها فقال «الصلاة لوقتها»، وفى الزكاة نحن نخرجها إذا مر عليها
الحول (وقت الزكاة)، وفى صوم رمضان يقول الله تعالى عنه: «أيام معدودات»، كما يقول
عز وجل: «وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا
الصيام إلى الليل»، ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته وأفطروا
لرؤيته»، وحتى فى حج بيت الله الحرام يعلمنا المولى عز وجل أن «الحج أشهر معلومات»،
فإذا كان الوقت بهذه الأهمية عند المولى عز وجل.. فلماذا لا يكون عندنا على نفس الدرجة؟
(2)
قبل
عدة سنوات كنت أقدم برنامج (صناع الحياة)، وأثناء الإعداد للبرنامج فوجئت بإحصائية
مخجلة ومفزعة فى الوقت ذاته. الإحصائية تقول إن المواطن العربى يقضى 60% من يومه فى
مشاهدة التليفزيون، و28% فى أشياء لا قيمة لها، وينام فى الثانية أو الثالثة صباحا،
ويستيقظ فى العاشرة، بينما المواطن الغربى يستيقظ فى السادسة صباحا، و ينام فى العاشرة
مساء، ولا يعرف اللهو إلا فى عطلة نهاية الأسبوع. المواطن الغربى يقرأ وهو فى وسائل
المواصلات أو أثناء انتظاره للطبيب، أما المواطن العربى فوقته ضائع فى اللعب على الكمبيوتر،
أو الدردشة (شات)، أو التنزه بالسيارة على غير هدى، أو الأكل، أو الجلوس فى المقاهى،
أو التحدث لساعات فى الهاتف،بالطبع، فالنتيجة معروفة وتتلخص فى أننا من المستحيل أن
نلحق بالغرب، مهما دعونا الله تعالى أننا لا نعمل، ولا نستفيد من نعمة الوقت، التى
نتفنن فى أن نصنع منها نقمة أو لعنة.
(3)
طيب
ما الحل؟
الحل
أن تستثمر وقتك وأن تعرف أن هذا الوقت صنع عظماء عبر التاريخ، فأسامة بن زيد رضى الله
عنهما، قاد جيش المسلمين وعمره 16 عاما. سعد بن معاذ أسلم وعمره 30 عاما، ومات وعمره
37 عاما، أى عاش فى الإسلام سبع سنوات، واهتز لموته عرش الرحمن، ونزل سبعون ألف ملك
يشيعون جنازته. مصطفى كامل قاوم الإنجليز وهز إنجلترا ومات وعمره 33 عاما. عمر المختار
كل فترة جهاده من سن 60 إلى 70 عاما، ومحمد بن القاسم الثقفى فتح الهند والسند و عمره
17 عاما، وخاض 12 معركة فى سنة واحدة، وانتصر فيها كلها. زيد بن ثابت أسلم وعمره عشرة
أعوام، وعلمه النبى القرآن وعمره 12 عاما، ثم تعلم العبرية و عمره 14 عاماً، أصبح مترجم
النبى وعمره 16 عاما، ثم أصبح ممن يكتبون الوحى بين يدى النبى وعمره 17 عاما، ثم أصبح
مسئولا عن المواريث وعمره 19 عاما، وجمع القرآن وعمره 21 عاما.
الحل
فى أن تعرف ماذا تريد أن يومك
أنت
تريد أن تعمل، فلتعلم إذن أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصل الليل بالنهار، ولهذا
استطاع فى 23 سنة أن يبنى أمة يتغلغل الدين فى أعماقها لآلاف السنين. ولننظر إلى الصحابة،
سيدنا عمر رضى الله عنه كان يقول: (متى أنام؟ إن نمت بالليل أضعت حق ربى، وإن نمت بالنهار
أضعت حق الرعية).
فلتعمل
بإخلاص حتى تنجز وعملك يستلزم منك ثلث اليوم لا أكثر
أنت
تريد أن تعبد الله عز وجل وتداوم على الصلاة لوقتها، ولتعلم كذلك أن النبى صلى الله
عليه وسلم كان يحافظ على أربعة أشياء، ولا يتركها أبدا: قيام الليل، والذكر، والقرآن،
والدعاء. حاول أن تقوم فى الليل ولو ركعتين فقط، وأثناء القيام اقرأ من القرآن ولو
صفحة واحدة، واذكر الله وادعُ ولو دقيقة. ستكون قد عملت الأشياء الأربعة، التى لم يكن
الرسول يتركها أبدا، وكل ذلك لن يأخذ منك أكثر من ساعة أو ساعة ونصف يوميا.. فهل هى
بكثيرة على الله؟
أنت
تريد أن تتريض؟. لابد إذن من نصف ساعة يوميا، فى البيت أو فى النادى، وبالنسبة للسيدات
فعليهن أن يمارسن الرياضة أيضا ولكن فى مكان مغلق. وليتذكر الجميع أن النبى صلى الله
عليه وسلم لم يكن بدينا أبدا، وأنه سابق السيدة عائشة وهو فى الستين من عمره، وسبقها
وهى لم تزل شابة. وانظر بالمقابل الآن لأمة محمد، التى تعانى من أثر السجائر وتتعب
من أقل مجهود.
أنت
تريد أن تقوم بواجباتك الاجتماعية وأن تأكل وتشرب وأن تنام وانت تجلس مع أهلك.. صدقنى
كل ذلك ييمكنك أن تفعله يوميا دون أن تضيع وقتك بل على العكس سيتبقى لك وقت يجب أن
تتعلم كيف تستفيد منه.
وليتذكر
الجميع أن الله عز وجل سيسأل كل عبد يوم القيامة «عن عمره فيما أفناه»، ووقتها أتمنى
أن نستطيع جميعا أن نجيب عن المولى عز وجل، وادعوه سبحانه ألا يكون ذلك فى الوقت الضائع.
تصنيف :
تنمية بشرية
0 التعليقات:
إرسال تعليق